HALTE A L'EXCLUSION de L'ACTION POLITIQUE en TUNISIE

إلى السادة  أعضاء المجلس الوطني ألتأسيسي

السادة أعضاء المجلس التأسيسي،

ينالكم شرف تمثيلكم للشعب التونسي لوضع دستور جديد للتأسيس لمرحلة جديدة في تاريخ تونس تتوافق فيها الاجيال و تلتحم فيها الفئات و تتضامن فيها الجهات ، بعيدا عن كل أشكال الاقصاء لتبقى تونس لكل التونسيين  و اطلعنا على مشروع قانون معروض على مجلسكم الموقر يتعلق بتنقيح المرسوم 87 لسنة 2011 المؤرخ في 24 سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم الاحزاب السياسية لمنع اعضاء الحكومات في الفترة الممتدة من 7 نوفمبر 1987 إلى 14 جانفي 2011 و كذلك كل من تحمل مسؤوليات في التجمع الدستوري الديمقراطي  من الانخراط في الاحزاب السياسية

و أستغل هذه الفرصة لأذكر أن المنتمين للتجمع الدستوري الديمقراطي عوقبوا عقابا جماعيا  مرة اولى بحل حزبهم و مرة ثانية بحرمان جزء هام منهم من الترشح لعضوية المجلس الوطني التأسيسي و يراد إقصاءهم ثالثة من الانخراط في الاحزاب و تكوينها (و ربما من وراء ذلك حرمانهم من الترشح للانتخابات المقبلة في عقاب رابع) دون الاحتكام للسلطة القضائية ، الطرف الوحيد المؤهل لمحاسبتهم

و من بين هؤلاء المقصيين رجال عانقت صخور الجبال في كفاحهم المسلح ضد المستعمر من اجل الاستقلال و شخصيات وطنية ناضلت مع الزعيم الحبيب بورقيبة و عظماء مناضلي الحركة الوطنية و بناة الدولة العصرية ، آمنوا بالمكاسب التاريخية و الكونية للثورة التونسية و التزموا بالمساهمة في عملية الانتقال الديمقراطي

و استثني  من هذا الإقصاء  الذين كانوا في الصفوف الامامية مع بن علي من خارج المنتمين الى التجمع الدستوري الديمقراطي دون التساؤل عن دورهم في تسلط النظام أو صمتهم عليه ، فما خطأ الناس المتبعة لهدى من كانت ثقتهم في الله و في بن علي كبيرة و لمن وجدوا لنفسهم و لإتباعهم الدفع القوي نحو الهوية العربية الاسلامية في مسار 7 نوفمبر ؟ و ما خطأ الجيل الذي انخرط في  ميثاق المصالحة الوطنية بين كل الاطياف السياسية التي اختارت أن يكون بن علي  المرشح الوحيد لجبهة الميثاق الوطني للانتخابات الرئاسية لسنة 1989 ؟ و لنترك للتاريخ شواهده و ذاكرته

السادة نواب الشعب

بالتأكيد ، ما يعترف الدستوريون به اليوم ان الحركة الدستورية أفرزت مناضلين متشبثين بقيم الحرية و الجمهورية و ملتفين حول رموز كان يبرزها النضال الدستوري من خلال حزب كرس ثقافة القائد التاريخي و مركزية الحزب في حياة مختلف الفئات و الشرائح و هيمنة قياداته علي مختلف هياكل و آليات الدولة ولم يؤسس لديمقراطية التشارك و التداول على الحكم ، لكن يبقى النقد الذاتي للدستوريين مطلبا ملحا للجميع لاستدراك ما فوتته عليهم فرصة محاكمة حل التجمع الدستوري الديمقراطي يوم 2 مارس 2011 ، يوم الذكري السابعة و السبعين لميلاد الحركة الاصلاحية الدستورية و قرأت كمحاولة لطمس التضحيات الوطنية المجيدة لشهداء الوطن لتحرير البلاد من المستعمر و لنضال بناة الجمهورية و الدولة التونسية الحديثة وللفكر النير للمصلحين الوطنيين الذين واكبوا الحركة الوطنية

وكم تمنينا أن تأخذ هذه المحاكمة مجراها الطبيعي لتنير الرأي العام بكل الحقائق المتعلقة بفترة الحكم الدستوري منذ الاستقلال و لتضع كل طرف عايش هذا الحزب أمام مسؤوليته التاريخية مهما كان موقعه الاجتماعي و السياسي و الاداري و كذلك لنتمكن من قراءة جماعية جديدة لتاريخ تونس بمنطوق ثوري تصحح فيه الاخطاء و تصوب خلاله الادعاء و تضع مسألة المصالحة الوطنية على الطريق السوي بدون تردد

و في غياب هذا النقد الذاتي و هذه المكاشفة القضائية التى أتاحتها ثورة 14 جانفي تبقى مسؤولية تبعات نظام الحكم السابق علي عاتق عدة أطراف دون الإفراد بها حزب التجمع الدستوري الديمقراطي و منخرطيه و يبقى الفصل 15 (عنوان الاقصاء) و كل ما سيلحقه من إعادة له وصمة عار في المسار الديمقراطي التونسي يذكرنا بالأسوأ في التاريخ

السادة أصحاب الشرعية

ان مسلسل الاقصاء للذين انتموا الى حزب التجمع الدستوري الديمقراطي سيلطخ مسار الانتقال الديمقراطي بالتجبر باعتباره ضرب لحرية الرأي و التعبير و التفكير و تعسف على حرية الشخص و محاكمة من أجل رأي سياسي دون اللجوء إلى القضاء و سيبقى يذكرنا بممارسات أطاحت بالاستبداد و بالمستبدين و كم كان من الاجدر أن يبقى الحسم في المسألة للشعب من خلال ما تفرزه صناديق الاقتراع و للقضاء لما يضمنه من عدالة و إنصاف

و بالرجوع إلى القوانين الوطنية والمواثيق ألدولية ، لا يستقيم إقصاء أي كان من أجل رأيه أو من أجل انتماءه لهذا الحزب أو لغيره دون مقاضاته علي الأفعال الشخصية التي قد يكون ارتكبها  في حق هذا الشعب أو عند إثبات  خروقات

1) بما انه تم اعتماد و تطبيق فصول  قانون 3  ماي 1988 المنظم للأحزاب السياسية   في تونس في حل حزب التجمع الدستوري ألديمقراطي ، فان إقصاء كل من انتمي لهذا الحزب من العمل السياسي لا موجب له في الوقت الحالي بحكم فقدان صفة الانتماء و لشيء لم يعد موجودا و استنفذ العقاب من اجل هذا الانتماء رغم أن قرار الاقصاء من الترشح لانتخابات المجلس التأسيسي عقاب خارج عن كل الاطر القضائية و لا يمكن أن يتحمل نفس الاشخاص إعادته حتى لا ندخل في موانع المعاقبة ثلاثا و أربعا لنفس الأسباب وهو ما تشجبه كل قوانين الدنيا في تاريخ الانسانية

1- لا موجب لحرمان أي تونسي من ممارسة حق  فوضته له  مجموعة من المواطنين من منطلق قانون كان آنذاك ساري المفعول أحدث بمقتضاه عشرات الأحزاب بعد الثورة و حل به حزب الممنوعين من الترشح دون أن يتضمن حكم الحل أدنى إشارة إلى مصير المنتمين اليه او الى اقصاء البعض منهم ، و إن أخطأ بعضهم يمكن لمن تضرر من أخطاءهم مقاضاتهم و اللجوء إلى الفصول 60 إلى 80 من المجلة الجنائية و التي يجب أن تسحب على كل من أخل بالواجب إزاء الوطن

2- يخالف الفصل 2 من المرسوم عدد 87 لسنة 2011 مؤرخ في 24 سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية كل اجراء اقصاء من الانخراط في حزب سياسي و من الانتخابات بالاقتراع او بالترشح بحكم أن الهدف من تكوين حزب سياسي هو المشاركة في الانتخابات قصد ممارسة السلطة في المستوى الوطني أو الجهوي أو ألمحلي ، فكيف يمكن اقصاء ، بمفعول رجعي لأسباب نفذت من أجلها عقوبة زال اثرها ، مواطنين أسسوا حزبا أو انخرطوا في حزب مرخص له وفق شروط قانونية استجابوا لها ؟ فان يحصل اقصاؤهم من جديد فان المسالة تصبح تصفية لصنف من المواطنين كانوا خصوما سياسيين و يخشى منهم ان يبقوا كذلك ، يسلط عليهم الاقصاء كلما أرادوا ممارسة حق مدني ، و ذلك بإفرادهم في كل مناسبة سياسية بتشريع متجدد لمطاردتهم السياسية دون مقاضاتهم و هو جرم في حق الانسانية و يتناقض مع الفصل 3 من نفس المرسوم الذي ينص علي ان تحترم الأحزاب السياسية في نظامها الأساسي وفي نشاطها وتمويلها مبادئ الجمهورية وعلوية القانون والديمقراطية والتعددية والتداول السلمي على السلطة والشفافية والمساواة وحياد الإدارة ودور العبادة والمرافق العامة واستقلال القضاء وحقوق الإنسان كما ضبطت بالاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجمهورية ألتونسية ، فأين نحن من الشفافية و من استقلال القضاء المعني بمسالة الاقصاء دون سواه ؟ و اين نحن من احترام حقوق الانسان و من احترام المواثيق الدولية ؟

3- يشترط الفصل 6 من المرسوم عدد 87 لسنة 2011 في مؤسسي الحزب السياسي ومسيريه التمتع بالجنسية التونسية وبحقوقهم المدنية والسياسية كاملة.، لذا انه من غير الممكن منع التجمعيين من تأسيس احزاب او الانخراط فيها ما لم يصدر في شانهم حكما قضائيا  يحرمهم من حقوقهم المدنية و السياسية ، أضف إلى ذلك ما ينص عليه الفصل 13 من نفس القانون أنه لا يعد مؤسسو الحزب السياسي ومسيروه وأجراؤه والمنخرطون فيه مسؤولين شخصيا عن الالتزامات القانونية للحزب وهو ما يؤكد ان كل محاولة إقصاء لأي مواطن من العمل الحزبي و المشاركة في الشأن العام هو اجراء سياسي ظرفي لا مرجع قانوني له ، يخدم مصالح الاغلبية المسيطرة على السلطة المؤقتة المؤهلة للتشريع ، كما أنه تعدي على سيادية صندوق الاقتراع و حرمة القضاء

السادة المؤتمنون على سيادة الشعب

إن هذا الحرمان خطأ غير قابل للتكرار باعتباره تجاوز لسلطة القضاء في أصله في ضل غياب دستور للبلاد ومحكمة دستورية أو مجلس دستوري لأنه ينتهك حقا مدنيا  في تعاطي العمل الحزبي او في الترشح لهيئة سياسية أو دستورية وهو ايضا انتهاك لحرمة الأشخاص وتلك هي حقوق أساسية تضمنها القوانين الوطنية و المواثيق الدولية المصادقة عليها تونس و التي تعتبر مرجعا أساسيا في حرية الفكر والتعبير ، بالخصوص :

أ-الإعلان العالمي لحقوق الإنسان  في مواده 2  و 19 و 21 و 29  التي تمتع كل إنسان بحقه و حريته في الرأي السياسي و غير السياسي  و إن  كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن يثبت ارتكابه لها قانونا في محاكمة علنية  و إن   لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعيير ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى ألآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود و أنه لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختياراً حراً ويخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط. و القانون المعتمد في الإقصاء هو إجراء استثناءي لا يستقيم في  سلب الحق المدني و الحرية الفردية و لا يمكن بأية حال آن يعتمد في سحب الحريات

ب- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المؤرخ في 16 ديسمبر 1966 و النافذ منذ 23 مارس 1976 في مادتيه 2 و 5 اللتان تحفظان كل حقوق  التعبير السياسي والمدني المعترف بها  وهي قضية الحال  أو حتى في صدور انتهاك  عن أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية ،كما  لا يقبل فرض أي قيد أو أي تضييق على أي من حقوق الإنسان الأساسية المعترف بها أو النافذة في أي بلد تطبيقا لقوانين أو اتفاقيات أو أنظمة أو أعراف

السادة ممثلو الشعب

لهذه ألأسباب نقول أن المنتمين الى حزب التجمع الدستوري الديمقراطي و غيرهم ممن واكبوا مسيرته بالفعل او بالصمت غير معصومين من الخطاء و إن أخطئوا ، فقوانيننا كفيلة بمحاسبتهم لإعطاء لكل ذي حق حقه و هي المتعهدة بتنسيب الأخطاء و محاسبة و إقصاء كل من أفسد ومن أستبد و تعسف  مهما كان انتماؤه دون أي حصانة و دون حصر ذلك علي من انتمي لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي ، ولننظر جميعا إلي المستقبل برؤية وطنية  متفائلة توحدنا جميعا حتى تكون المصالحة الوطنية على أساس العدل و التكافؤ و لتبقى تونس لكل التونسيين ترفض الإقصاء و الاستثناء لأي كان ، وهو أفضل القيم  لضمان الانتقال الديمقراطي السلمي و لبناء بلد أكثر استقرار و أمن و مناعة وعدالة اجتماعية ،

فلنحتكم جميعا الى القانون ، ومهما يكون الامر ، إن الدستوريين التجمعيين لن يتحولوا أبدا إلى قوة مضادة للثورة لان المكاسب الوطنية من حرية و تحولات سياسية  و من إنجازات و رقي المجتمع تبقى منجزا مشتركا و مشاعا بين كل التونسيين من مختلف الاجيال بقطع النظر عن فكرهم و عن توجهاتهم السياسية

كما انه لا يوجد مبررا لبتر الذاكرة الوطنية بمحو حقبة زمنية منها أو تشويهها لأنه من  حق للأجيال القادمة علينا ان نحافظ على حقيقتها بحلوها و مرها مثلما ورثنا نحن حقبات أليمة و أخرى  مضيئة استلهمنا منها اليوم مسارات مثل الفصل الاول من دستور 1959 الذي سيقينا حتما من احتمال إجهاض عملية الانتقال الديمقراطي الذي يتطلع إليه الشعب التونسي تحقيقا لأهداف ثورة الحرية والكرامة التي هي مكسب لكل التونسيين و لتاريخ الإنسانية